وأخيرا اسبانيا تبصم بالعشرة..الصحراء مغربية!

بقلم هند الصنعاني


تغيير جذري بموقفها المتعلق بقضية الصحراء المغربية، أعلنت الحكومة الإسبانية دعمها لموقف المغرب علنا وللمرة الأولى فحصدت إشادة وترحيبا دوليين واسعين.

هذه الخطوة التاريخية التي أقدمت عليها الحكومة الإسبانية دفعت الجارة لاستدعاء سفيرها بمدريد على وجه السرعة للتشاور، ضربة من الضربات الموجعة للمغرب لها غيرت قواعد اللعبة السياسية، وخرج المغرب كعادته منتصرا ومتحكما ومسيطرا سياسيا وديبلوماسيا.

قررت مشاركتكم تحليلا واقعيا وحقيقيا كنت قرأته، للأسباب التي جعلت اسبانيا تتجه نحو هذا القرار وبالتأكيد أنه قرار سيخدم المملكة المغربية وإسبانيا

“عملية مرحبا الصيفية” وملف المهاجرين، شكلا عاملي ضغط كبير على اسبانيا لتصرخ:”حقي برقبتي” كما يقال، أيضا اتباع المغرب لسلسلة من المناوشات التي حملت صبغة قانونية في عمقها حول الجزر الجعفرية ببنائه لمصائد السمك وخنقه الاقتصادي للثغرين المحتلين وتلويحه بإمكانية بناء قواعد عسكرية على مقربة من الثغور مزودة بصواريخ امريكية واسرائيلية متطورة وقواعد للطائرات بدون طيار وتاثير ذلك على موازين القوة بالمنطقة..
لم تستطع اسبانيا بقوتها ارغام المغرب على الخضوع لنفس قواعد اللعبة التي استعملتها طيلة عقود للمحافظة على تأثيرها السياسي في المنطقة، وفي نزاع الصحراء، ، بل غيرت خطتها واختارت استكمال الطريق مع المملكة المغربية لأنها أدركت أن تعنتها لن يؤتي إلا بنتائج عكسية، وستفقد فرصا اقتصادية ، بل يمكن أن يؤدي ادإلى عزلها جنوبا وتكسبها جارا عدوا وتجهز على تاريخ طويل من العيش المشترك..

من الأسباب المهمة أيضا التي غيرت المفاهيم السياسية ليس فقط لدى اسبانيا بل عند دولا أخرى وهو الأزمة الاوكرانية التي جعلت بلدان اوروبا، ومن ضمنها اسبانيا،تكتشف بأن بناء السياسات والاصطفافات على أساس التبعية للغاز الروسي (او الجزائري في حال اسبانيا) لم يعد آمنا ولا مقبولا، ويجعل البلدان في اللحظات الحاسمة، رهينة لموردي الغاز و مكبلة في اتخاذ قراراتها السيادية، وأن تنويع المصادر والشراكات هو السبيل الأوحد لحماية مصالحها، وقد يكون إعلان امريكا عن استعدادها لتوريد الغاز لدول اوروبا (ومن بينها اسبانيا) دافعا آخرا في اتجاه تسريع التغير في الموقف الإسباني.
سبب آخر مهم جعل الإسبان يبادرون إلى تغيير موقفهم، هو أن المغرب بدأ يشق طريقه بعيدا عن اسبانيا حيث يبدو أنه لم يعد بحاجة إليها، فالمغرب بدأ يوسع تحالفاته السياسية والعسكرية (في اتجاه اسرائيل وبريطانيا وامريكا..) وينوع شراكاته الاقتصادية (دول افريقيا وامريكا اللاتينية وشرق اوروبا وروسيا والصين..) وبهذا لاحظ الاسبان بأن الأزمة التي اختلقوها مع المغرب وكان الهدف منها إضعافه، باتت تقويه وتأتي بنتائج عكسية.. وبأنه كلما طالت الأزمة، كلما صار الثمن الذي سيطلبه المغرب باهضا اكثر.

أيضا الضغط الداخلي على حكومة بيدرو سانشيز ساهم في هذا التغير، الحكومة الإسبانية أدخلت بلادها في أزمة غير مسبوقة مع دولة مجاورة، وتسببت في تضرر صورة اسبانيا على المستوى الدبلوماسي، وأظهرتها مرتبكة ومتخبطة وعاجزة عن لجم بلد طالما اعتبرته “ضعيف” بل أنها فشلت في جعل الاتحاد الاوروبي يتبنى مواقفها اتجاه المغرب، وفشل رئيس حكومتها في التأثير في قرار الولايات المتحدة ولو قليلا بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.

العالم اليوم أدرك أن المغرب طيلة العقود الماضية، حقق نجاحات واختراقات في ملف النزاع حول الصحراء، ومن ذلك عدول الكثير من الدول عن اعترافها بالجمهورية الوهمية، إقامة العديد من الدول لقنصلياتها بمدن الصحراء، وفشل كل مساعي الجزائر وحلفائها في التأثير على هذه النجاحات أو التشويش عليها، هذا جعل الدول التي لا زالت متمسكة بآرائها التقليدية من الملف ومنها دول اوروبا، مطالبة من طرف المغرب بتحيين موقفها منه، ولعل خطاب للملك محمد السادس كان صريحا في اشتراط وضوح هذه الدول بشأن هذا الملف للاستفادة من الفرص الاستثمارية والاقتصادية بالمغرب، كل هذا جعل آلاف الشركات الإسبانية المستثمرة في بلادنا في وضع ضبابي وبعيد عن الوثوقية وهو ما ساهم بشكل او بآخر في انضاج الموقف الإسباني وتليينه، بعد أن أدركت بأن الضغط المغربي ليس مناورة عابرة، بقدر ما هو ثابت ومحدد تم إدراجه في السياسة الخارجية المغربية من طرف أعلى سلطة في البلد.

أيضا اقتنع الإسبان بأن المغرب بلد رزين دبلوماسيا ويحترم تعهداته، هو سبب آخر دفع الإسبان إلى نهج أسلوب التفاوض مع المغرب لتسوية الخلافات بدل القطيعة، خصوصا وأن ما يجمع البلدين ليس هو الجوار والتاريخ فقط، بل أن هناك العديد من القضايا السياسية والاقتصادية المؤجلة، التي يمكنها أن تشعل حربا بين البلدين، والتي تحتاج الجلوس على الطاولة والاتفاق بشأنها ومن ذلك ترسيم الحدود البحرية وقضية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المحتلة، كما ان اتجاه المغرب نحو المملكة المتحدة التي تسيطر على جبل طارق لا يصب في مصلحة الاسبان.

في الختام، التغير الايجابي في الموقف الاسباني هو انتصار للديبلوماسية المغربية دون أدنى شك، لكنه ليس إلا خطوة صغيرة في مشوار الأف ميل الذي على اسبانيا قطعه في اتجاه إزالة العوائق وحلحلة المشاكل العالقة بين البلدين، ففي النهاية لا زالت اسبانيا تحتل جزءا عزيزا من أرضنا، ولا زالت هناك حدودا بحرية للتوافق عليها جنوبا وشمالا.. ثم أن توجه اوروبا لتولية تياراتها القومية زمام الحكم، واحتمال فوز أحزاب اليمين القومي في اسبانيا قد يعيد نكأ جراح التاريخ، ويعيد العلاقات بين اسبانيا والمغرب الى نقطة الصفر، ولهذا على المغرب أن يأخذ كل السيناريوهات الممكنة على سبيل الاحتمال والحسبان، ويستمر في بناء نفسه وتعزيز قوته وتنمية قدراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *